بلا غاز في دول الغاز.. بلا كتب في دول" اقرأ"
لا أعتقد أنه يوجد على سطح هذه الأرض معلمين و معلمات أفضل ممن علّموني في سوريا، أنبل، أفهم و أتقى…
عندما يشرق حظي في أمريكا، فغالباً يكون معلمي يحمل صفات معلميّ سوريا.. المعلمون في سوريا و في غالب البدان العربيّة غالباً ما يحملون خصال النبوّة!
نحن لم نهاجر بسبب سوء التعليم كما يدّعي البعض، بل على العكس تماماً، نحن بنينا أنفسنا في البلاد الجديدة بسبب التعليم الرائع الذي منحه معلمونا لنا، وكنا محظوظين بعائلات تحترم المطالعة و تقدّس الكتاب.
يحترق قلبي اليوم و أنا أشاهد أزمات الغاز و الكهرباء في سوريا و العراق.. و يحترق أكثر عندما أشاهد الشباب السوري و العراقي الرائع يطالب بحقوقه كما لو أنها منٌَّن و عطايا حكومات…
شاهدت -في أحد فيديوهات اليوتيوب- أحد المعلمين الذين صنعوني يقف في الدور للحصول على جرة غاز، فيركله أحد أبناء المسؤولين اللامسؤولين- بمباشرة أكثر: أحد العاهرين الذين أجبرونا على ترك البلد- و يأخذ مكانه.. بكيت و أنا أتذكر أنه لولا هذا المعلّم و أمثاله لكنتُ في قبو سجن موالي أو معارض الآن- و لافرق-…
*********
لا ثقافة كتاب في بلداننا و هذا جزء من المشكلة.. لأننا لو قرأنا أكثر لعرفنا أكثر أن الأموال التي تصرف على بهرجة الجوامع أولى بأن تُصرَف على المدارس، و أن الأموال التي تسرقها كروش طباليّ الحكومة و طنابرة مجلس الشعب، أولى بأن تصرف على المراكز الثقافيّة…
أجل هناك فرق بين ثقافة تعتبر الكتاب معلّماً.. و بين مدارس تفرض على معلمها أن يكون كتاباً…
هناك فرق بين ثقافة الكِتَاب و ثقافة الكُتّاب.
*********
لا يوجد دولة في العالم تشبه من قريب و لا بعيد المدينة الفاضلة، ما من مكان آمن تماماً، ما من مدينة أو قرية في العالم تخلو من المساوئ و البلاوي، لكن هناك حكومات تعتبر نفسها كفيلةً بالناس ضمن حدودها، فتضمن قانوناً يطبق على الجميع و تبني دور العلم قبل دور العبادة، و العلم أرقى أنواع العبادة…
هناك دول تحوّل مواطنيها إلى عمّال كادحين، يعملون و يقرأون ليل نهار لتطوير الوطن و تأمين مستلزمات أبنائهم.. بينما دول أخرى تحوّل مواطنيها إلى ساسة، لصوص و تجار دين…
أجل، لا تخلو الأمكنة من السلبيات، لكن هناك سلبيات أسبابها فرديّة ينبذها القانون الغربي.. و أخرى بأسباب وبائية تتستر بالقانون العربي…
كما أنه من الممكن لسافل أو جاهل في بلاد العرب أن يعلّم أولاده زوراً بأنهم الأفضل بسبب دينهم، طائفتهم أو قوميتهم، لونهم أو نسبهم.. كذلكك يمكن لسافل آخر أو جاهل آخر أن يعلّم أطفاله ذلك في الغرب…
نختلف مع الغرب في سلطة القانون التي تطبق على الغني و الفقير.. على الغريب و ابن البلد.. نختلف في فرق الموارد في المدارس، الفرق في توفير إمكانية التطوّر قبل إمكانية التعليم..
*********
في الصورة نموذج عن مكتبات صغيرة تنتشر في شوارع سان دييغو لتحض الناس على القراءة فيما يجلسون على رمل الشاطئ، دلّني عليهم أحد مرضاي، عندما أخبرني بأنه و رغم خسارته لعمله و كونه بلا مأوى و ينتظر استكمال أوراقه ليحصل على معونات الحكومة، فإنه مازال يقرأ مجاناً في المراكز الثقافية، المكتبات العامة و المكتبات الصغيرة في الشوارع…
مازال يسكنني الأمل بغد أفضل، و لو اعتقدت يوماً بأن الشعوب تختلف لما نطقت، لكن الناس هم الناس في أي بقعة في هذا العالم، تختلف الحكومات، يختلف القانون…
الحكومات التي تُذِّلُّ شعوبها باللقمة، تدوس كرامات مواطنيها، يهاجر أولادها طلباً للعلم و الرزق.. هي حكومات بلا قانون و بلا شرف، و مصيرها في زمن العولمة إلى (الديليت)…