بين الانتحار و الاختيار
- Lama Muhammad
- Jan 20, 2019
- 3 min read

خرج عمّار و هو لا يعرف إلى أين يذهب.. قلبه يبكي فيما يصرّ على منع عينيه من البكاء.. الناس في الطرقات الغريبة مسرعون جداً، و هو مازال يجرّ عربة قلبه جراً...
شخصه الطبيب بالاكتئاب.. ضحك ببلاهة: يعني أنا مجنون..
قال الطبيب: هذا كلام قديم، الاكتئاب سببه نقص السيروتونين...
-السيرو؟ ما قلت.. ؟ هل تعني أنه يجب عليّ المسير؟
-الطبيب ابتسم، بينما عمّار من يومها و هو يمشي.. قطع المدينة كلها :
مرّ بدكان السمّان أبو مازن، أدار وجهه حتى لا يسلّم عليه، سمع صوته.. أستاذ عمّار كل عام و أنت ( تذكرنا)...
حساب أبو مازن خمسون ألفاً.. هل تعرفون ما معنى الخمسين ألف؟
-خمسون ألف غصة في اللقمة و قد غمسها الذل...
مرّ بمنزل سعاد، و سعاد التي كررت قصص ( الولايا) و الحريم و تركته من أجل صديق حميم.. غادرت المنزل، على أطلالها سكنت بهيّة الراقصة التي رمت له بخلخالها مع رسالة حمراء.. المهم هو لم يدنس المكان.. هذا ما قاله لنفسه...
مرّ بسيارة مديره، و رآه فيها يقبّل إحدى الموظفات.. لم تكن السكرتيرة-قال في نفسه- بعض الناس لا يقبّلون السكرتيرة!
وصل إلى منعطف طريق، و فيه شاهد على إحدى الجهات جسراً موحياً بفكرة دميمة تدور في خاطره منذ زمن، فكرة بشعة بشعة.. كافرة..مجرمة و قاتلة لمن حوله.. فكرة مهزومة وسامّة.. أجل فكر بالانتحار…
قال في نفسه: لمَ لا؟
ثمّ قرر أن يأخذ الجهة الثانية ليفكر في الأمر أكثر…
بدأت خطواته تتسارع في الجهة المعاكسة، يسأل نفسه: لماذا وجودي في هذي الحياة؟ كيف أتأقلم، لماذا تركتني تلك، لماذا غدرني ذاك.. لماذا فشلت.. لماذا لحقني الفشل كظلّ مصباح كهربائي استخدم في التعذيب.. لماذا لم تحبني هبة و داست قلبي عبير..
عزم أنه ما من حلّ آخر.. الجسر الأبيض معلقٌ في ذاكرته كوطن الآن.. قدماه تستعدان للعودة إليه.. فيما يد صغيرة تسحبه من معطفه البنيّ..
-أريد ماما…
طفلة في الرابعة من عمرها، وجهها أسمر عراقي أصيل يختلط عسل جماله بعسل العينين البريئتين الخائفتين.. ملابسها قديمة لكنها نظيفة…
-أين أمك يا صغيرة؟
-في البيت.. ثم بدأت بالبكاء…
حمل عمّار الطفلة : - لا تخافي أيتها الصغيرة، سنجد ماما اليوم…
**************
قالت له الطفلة أنّ اسمها: توتة.. و لم تعرف أكثر..
حملها عمّار إلى قسم الشرطة في المنطقة.. قالوا له: اتركها -يعطيك العافية- نحن نتكفل بالأمر، لكنه لم يقبل.. انتظر معها ست ساعات..اشترى لها (سندويشة جبنة) و سكاكر..أطعمها و لم يتركها و لو ثانية…
ثم انتظر ساعتين، وكان على وشك الجدال مع الشرطة حول تركها معهم.. أراد أن يأخذها إلى بيت هبة.. عندما حضرت “ بغداد” : امرأة في الثلاثينيات، نحيلة و شاحبة.. و برغم جمالها يشع الحزن من وجهها كأمنية محققة.. شعرها أسود كثيف و مضفور… عيناها باكيتان.. فستانها أسود طويل، و في قدميها حذاءٌ قديم ذكوريِّ الجلد و التصميم…
احتضنت الطفلة و غرقتا معاً في البكاء…
-شكراً لك لإنقاذك “توتة”.. تيماء طفلتي.. سحبوها من يدي في سوق الخضار، بحثت كالمجنونة كل اليوم.. لقد أنقذتني كنت أفكر في القفز عن الجسر الأبيض الليلة..
الجسر الأبيض؟ الليلة…
توقف قلب و عقل عمّار لأجزاء الثانيّة.. لا يمكن أن يكون ما يحدث حقيقة.. هذا يشبه فلماً هندياً أو عربياً سيء الإخراج.. كان قد فقد إيمانه بالغيبيات و الأرواح من زمن.. وقف مندهشاً فاغراً فاه لدرجة أن “ بغداد “ ظنته “على البركة”…
-الله يوفقك.. الله يعطيك حتى يرضيك..لقد أنقذت روحيَن توتة و أنا.. أعطني يدك أبوسها.. جميلك على رأسي من فوق.. الله يحميك…
-لقد حماني…
“نحن موجودون في هذا المكان و هذه الساعة لغاية ما.. مهما فشلنا، ومهما كان لنا من قدرنا صفعاتٌ و خيبات.. فما خُلِقنا من أجله قادمٌ و لن يكون بسيطاً مهما اعتقدناه كذلك.. اليوم هو يوم ميلادي الذي اخترته: كل عام و أنا بخير.”.
كتب عمّار هذي الرسالة ل “هبة” من فوق الجسر الأبيض.. فيما سمح لعينيه أخيراً بالبكاء…
اقرأ أكثر: من المكان الذي تنتظر فيه الشياطين -عليّ السوريّ- الجزء الثاني 11
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=625145&fbclid=IwAR002j_ON6ZYmz6I_gcjM4G2fsUA4dNt7h1GWSs-pc5KyT_fMFOPmSiJvm0
Commenti