ديسبا.. سيتو؟
الطب النفسي ليس علماً رائعاً و حسب.. بل هو طب الوقاية من بشاعة الحياة، و إتقان فن الاستمرار بالمحاولات.. من يصم الطب النفسي بتبعات الجنون هو من حق عليه لقب مجنون، ضحل و خائف من معرفة ذاته.
سألني أحد الواصمين للطب النفسي عن رأيي في التنويم المغناطيسي، و عندما حدثته عن التفارق dissociation، قاطعني:
- ديسباسيتو... عفواً عفواً ديساسوساتيون !
ضحكت في سري: هؤلاء من يظنون المرض النفسي عار.. مجبولون بخراء الجهل!
************
يتسع الطب النفسي ليشمل حتى أسلوب تربيتنا لأطفالنا و تشجيعهم على صقل مواهبهم و تطوير هواياتهم...
أقول لطفلتي دوماً:
لا ترافقي من لا يفقه في إحدى ثلاث.. و من حمل الثلاثة فوزي به:
حب الموسيقى: غناء، عزف، تلحين، أو رقص...
شغف القراءة: لا أعدل من فئران الكتب...
احترام الأحلام و السعي لتحقيقها...
***********
الهوايات هي ما يُبقِينا على مستوى الحياة، لا نحن نطير فوقه بعجالة و سطحية.. و لا نحن ننغمس في قعره بضحالة سُذَّج أو فقدان ثقة بالنفس!
أما من امتلك الموهبة فوق الهواية، فهؤلاء ملزمون بحق هذه الموهبة على إخراجها و صقلها.. و إلا تحوّلت إلى قلق...
في الحوار مع المرضى أسألهم عن هواياتهم، و أستخدمها في إنقاص القلق، و علاج الاكتئاب...
من يقول لي :-"لا هواية لي".. يتحسن بشكل أبطأ من الآخرين...
و في العموم أستطيع بمساعدة المريض تطوير قدرته على معرفة هوايته.. لتسكن في العلاج تدريجياً: رسم-موسيقى-تصميم أزياء- مطالعة-كتابة- رياضة-رقص- طبخ..و غيرها الكثير...
بهذا يحدث ما يسمى في الطب النفسي التفارق dissociation
أو بشكل أوضح فصل الذات.. و الذي هنا هو فيزيولوجي، بل مرغوبٌ: عندما تنغمس في الهواية.. تريح دماغك من الواقع و تنميه.. مثلاً عند قراءة كتاب أو مشاهدة فلم -لدرجة فصلك عن الواقع لفترة- أو ما يسمى باللغة المحكية " غرقان بالفلم..بالكتاب.. بالطبخ.. بالتمرين.. بالرسم.. باللعبة.."...
التفارق الفيزيولوجي طبيعي و يحدث أثناء ممارسة اليوغا أو التنويم المغناطيسي...
قد يمتد التفارق ليصبح مرضياً و يشمل ما يحدث -مثلاً- بعد الرض النفسي من تذكر للرض و كأنه يحدث مجدداً، كما يشمل اضطراب الذات التفارقي Dissociative identity disorder و غيرهما من الحالات المرضية الحزينة.
القدرة على التفارق الطبيعي بالانغماس في الهوايات هي أمل جديد في عالم الطب النفسي، أمل قد يبعد الملايين عن التفارق المرضي...