2217155391851958.
top of page

فوستر بالقانون!


ينتشر في الفضاء الافتراضي، فيديو لعائلة سوريّة أخذت الشرطة أولادها في دولة اسكندنافية .. و يسري حوله: ذم الدولة الغربية و شرطتها التي (قمعت) حرية الوالد في ضرب أولاده و تعنيفهم جسدياً و عاطفياً!

من المعروف أنه لا يحدث في تلك الدولة، و لا في أغلب دول الغرب، أن تأخذ الشرطة الأطفال في حالات مماثلة إلا بعد التحقق و التدقيق...

ليس فقط لوجود القانون في تلك الدول، بل أيضاً لكون فتح قضية و إيجاد بدائل للعائلة الأم شيء صعب و يكلف الحكومة كثيراً من الأموال.

كيف صوّر ما حدث و تم تحميله على (الفيس بوك) لمحاولة استثارة الرأي العام حوله، يشبه ما حدث في سوريا/العراق من تزوير للفيديوهات و قص الحقائق، و محاولة استعطاف طرف للناس عبر سياسة " نصف حقيقة .. أسهل طريقة”!

أنصاف الحقائق: أكبر الأكاذيب. لأننا نصدقها لصحتها، و في سيل الحياة الصاخب ننسى أن نسأل عن القصة...

يوجد مثل يهودي مشهور ينطبق على هذا: ما الأحق من الحقيقة؟ الجواب :ـالقصة!

What is truer than truth: The story

نشاهد هذا في الطب النفسي بكثافة، حيث يحوّل إلينا أطفال عائلات تم أخذهم من أبويَهم بسبب العنف الأسري .. أو ما نسميه:-الاستغلال – سواء كان هذا الاستغلال :

جسدي : ضرب الطفل أو ضرب الأم أمام الطفل.

جنسي: الاعتداء الجنسي على الطفل.

عاطفي: الإساءة اللفظية و العاطفية للطفل: السب، التقريع، تحويل الطفل إلى سلة لنفايات البالغين العاطفية...

يحاول الأب و/أو الأم في كثير من الحالات بشتى الطرق و الوسائل الحفاظ على الأطفال، لكن دون جدوى..

نقف كأطباء نفسيين مع الأطفال و مع كامل القصة و نؤيد في حالات كثيرة سحب الأطفال من العائلة و تحويلهم إلى عائلات أخرى -Foster parents-

في الطب النفسي لا نعتبر قمع الطفل حرية ! ولا قمع المرأة حرية.. و لا نصدق صوتاً واحداً في صراع أطراف...

هذا مما يجعل الطب النفسي مميزاً كطب أخلاقي، يتقاطع مع وزارات التربية، الصحة، التعليم و العدل ! و يقطع الطريق على كلية الشريعة و فقه الموروث و حقيقة قالها طرف في صراع...

أرى مستقبل أطفالنا المشرق و مستقبل بلادنا المسالم فقط بعد النمو الواجب للطب النفسي، محاربة الوصمة الدامغة للمرض النفسي، و تحويل هذا المجال الطبي إلى أساس علمي و أخلاقي لا غنى عنه.

****************

يسأل كثير من العرب، الأكراد، الأرمن و قوميات أخرى قادمة من بلاد الشرق حول كيفية تربية الأطفال في الدول الغربية..

أسمع كل يوم أسئلة مثل:

-كيف أحافظ على ابنتي في مجتمع المباح و المتاح؟

-كيف أحمي ابني من ثقافة الخروج من حضن العائلة بعد أن يكمل 18 عام؟

-كيف أغذي في أطفالي حب الوَالديَن؟

-كيف أعلّمهم أن كثيراً مما يعتبر هنا عادي، هو غير مناسب في عرف ثقافتنا ؟

الجواب بسيط جداً، لكنه لا يعني القمع، لا الضرب و لا التهميش...

الجواب يكمن في عدة نقاط:

-تعلم أن تكون مستمعاً بارعاً لطفلك، إذا أحسست أن الطفل يخفي عنك شيئاً ما: بادر إلى مشاركته أسرارك.. مثلاً: —هل تعلمين يا “ ألما” كان يومي صعباً جداً، أحد الأشخاص سخر من لهجتي، و لكنني تصرفت بحكمة، إليك ما فعلت…” .

-قُلْ لا بعد تفكير و تحليل- لا تتسرع- و اشرح فيما بعد لماذا كان الرفض، و حافظ عليه- في معنى آخر لا تحوّل ال لا إلى نعم-.. مثلاً: -لا ننام في بيوت أصدقائنا، أعلم أنها ثقافة أمريكية، لكنها لا تتناسب و عقل أمك و أبيك يا صغيرتي.. البشر يختلفون، نحن لسنا قطعاناً من الغزلان، نحن متفردون و مختلفون، و أنت متفردة و مميزة…

-علّم أطفالك أن الحياة خير و شر، يعتقد بعض الناس أن براءة الأطفال تقتضي ألا نؤذي مسامهم بحكايات الفقر، الجوع و الحرمان.. هذا غير صحيح، يجب أن يتعلم الأطفال أن للحياة جانب مظلم، فيقدروا قيمة الجانب المضيء، و يحافظوا على مرونتهم و عقلهم إذا ما قبعوا يوماً في الجانب المظلم.. حتى في أفلام (الكارتون) يوجد دوماً خير و شر…

-ناقش إحساسك بالذنب، إن كنت في الشرق أو في الغرب اسأل نفسك : هل شعوري هو حقاً بالذنب تجاه طفلي أو تجاه نفسي؟ إن كان تجاه نفسك، لا تتردد : اقصد الطبيب النفسي، هذا حق، علم و ثقافة.

- حذار من ثقافة التكريه: إطعامك طفلك للكراهية تجاه بلد، دين، طائفة، شخص، أو حتى فكرة ما: الأطفال المعجونون بالكره لن ينجبوا حُبّاً!

و في المجمل :

يظن كثير من الآباء في الغرب أنهم يعملون إلى درجة نسيان الأطفال .. كما تعتقد كثير من الأمهات أنهنّ مقصرات لأنهن تعملنّ لساعات طويلة، و يعوضنّ عن هذا التقصير بشراء كثير من الألعاب لأطفالهن و بمحو كلمة " لا " من القاموس، فيكبر الأطفال كمدللين، سطحيين و تافهين...

لا يعرفون من العالم إلا " الأنا" الفردية و الغربية .. هؤلاء الأطفال هم ضحايا الأهل لا المجتمع...

لو فكرت الأم/ الأب قليلاً لاكتشفوا أنه بالقياس إلى عدد الأطفال في الشرق.. و إلى تسهيلات الحياة في الغرب، فإن الوقت المتاح لطفل أو اثنين في بيت فيه خُدامه-أدوات المطبخ الكهربائية مثالاً- هو ذاته الوقت المتاح لخمسة أطفال في بيت تخدمه فقط ربة المنزل!

و أن الوقت الذي يمنحه أب جميل العقل لطفله يقاس بنوع هذا الوقت لا بطوله، الأطفال بطبعهم يملوّن و القليل المدروس أفضل من الكثير المفروض.


Featured Review
Tag Cloud
bottom of page