لا دينيّة!
و أنا وحدي على ذلك الطريق .. أُخرِج الوطن من مخيلتي و أضعه أمامي.. أعيد ترتيب تفاصيل الحبيبة:
أنقل هذا المبنى إلى هنا، و ذلك المطعم إلى هناك.. شارع حبيبي يجب أن يكون هنا، و شارع غريمتي سأضعه هناك.. أحاول أن أرتب العشوائيات، أن أرفع بدل البيوت الطينية ناطحات سحاب يسكن فيها الفقراء و تكون حرام على (الزناكيل).. أضع كنيسة حنونة مقابل كل مئذنة عطوفة، ثم أفصلهما عن المدارس و الجامعات بغابات من الأزهار دائمة الخضرة.. و على البحر أضع " دمشق" كلها بسحرها و صهيل ليلها.. فيتسع المكان، يقولون في الأخبار: ظاهرة طبيعية غريبة كيف امتد الشاطئ و مشت العاصمة! فأضم ( مكعبات ) مخيلتي و أضحك..
على الحدود أضع أحذية الأمهات المقدسات، و أنا أتذكر أمي كيف دافعت عني يوماً ب ( شبشبها) العتيق، و هي تدور على المستشفيات تستجدي العلاج لطفلة جلست على الطريق و كانت تعيد ترتيب التفاصيل الحبيبة.. فهشمت رأسها سيارة الغربة... **********
تحاول أن تقنعهم بأنها قامت و تشير للجسد الصغير بهالة الضياء حول الرأس مغيب المعالم.. تناشد الأطباء و المشعوذين ..الأولياء و السلاطين .. الحراس و العسكر.. السياسيين و ذوي الاحتياجات العقلية.. يصدح صوتها كحدأة : ما بالكم ألا تبصرون؟ ابنتي قامت!
يجاوبونها بتأفف أو بأنين:
يا أيتها الأم الجريحة ذات ( الشبشب) العتيق.. في بلادنا حتى لو قام " المسيح".. لن يقوم! **********
ترميهم ب(الشبشب) العتيق و تمضي حافية، تحمل الجسد الصغير بهالة الضياء حول الرأس مغيب المعالم، و تعود من جديد إلى ذلك الطريق حيث التفاصيل الحبيبة.. تضع طفلتها الجديدة، و تقطع الحبل السري بأحد ( المكعبات)، ثم توصي الروح الجديدة:
"الوطن الحبيب أمانة قيدها هذه الأحلام"...
يمسي رأسها هي الأخرى هالة من ضياء و تغادران معاً إلى كتاب حكايا (للأطافيل) لن يزوره ( الكبار)..
بينما تكبر الرضيعة الجديدة في " دمشق" على شاطئ اتسع و لن يضيق، و عندما يقولون في الأخبار (الحقودة): ما دين النبية الجديدة التي نقلت العواصم؟!
يرد الصوت قوياً كقيامة:
رحلت كالأنبياء جميعاً من دون أن تعتنق ديناً...
من كتاب "جدائل الثالوث المحرّم".. " لمى محمد"